فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الخطيب في رواية مالك من طريق أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «والذي نفس محمد بيده، ليخرجن من أمتي اناس من قبورهم في صورة القردة والخنازير، داهنوا أهل المعاصي، سكتوا عن نهيهم وهم يستطيعون».
وأخرج الحكيم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام، واذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بَرَكة الوحي، وإذا تسابَّت امتي سقطت من عين الله».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال «قيل يا رسول الله، أتهلك القرية فيهم الصالحون؟ قال: نعم. فقيل يا رسول الله...؟! قال: تهاونهم وسكوتهم عن معاصي الله عز وجل».
وأخرج الطبراني عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن من كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل العامل فيهم الخطيئة فنهاه الناهي تعزيرًا، فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يد المسيء، ولتأطرنه على الحق اطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ويلعنكم كما لعنهم».
وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا استغنى النساء بالنساء، والرجال بالرجال، فبشروهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق، فينسخ ببعضهم، ويخسف ببعض {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ}: متعلِّقٌ بـ {يَتَناهَوْنَ} و{فَعَلُوهُ} صفةٌ لـ {مُنْكَرٍ}، قال الزمخشريُّ: «ما معنى وصفِ المنكرِ بـ {فَعَلُوهُ}، ولا يكونُ النَّهْيُ بعد الفِعْلِ؟ قلتُ: معناه لا يتناهَوْنَ عن معاودةِ منْكَرٍ فعَلُوهُ، أو عن مِثْلِ مُنْكَر فَعلُوهُ، أو عن منْكرٍ أرادُوا فِعْلَهُ، كما ترى أماراتِ الخَوْضِ في الفسْقِ وآلاتِه تُسوَّى وتُهَيَّأُ، ويجوز أن يُرادَ: لا ينتهون ولا يمتنعونَ عن مُنْكَرٍ فعلُوه، بل يُصِرُّونَ عليه ويُداوِمُونَ، يقال: تناهَى عن الأمر وانتهى عنه، إذا امتنع منه».
وقوله تعالى: {لَبِئْسَمَا}: و{بِئْسَمَا قَدَّمَتْ} قد تقدَّم إعرابُ نظيرِ ذلك [الآية 9 في البقرة]؛ فلا حاجة إلى إعادته، وهنا زيادةٌ أخرى؛ لخصوصِ التركيب يأتي الكلامُ عليها. اهـ.

.تفسير الآية رقم (80):

قوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أخبر بإقرارهم على المناكر، دل على ذلك بأمر ظاهر منهم لازم ثابت دائم مقوض لبنيان دينهم، فقال موجهًا بالخطاب لأصدق الناس فراسة وأوفرهم علمًا وأثبتهم توسمًا وفهمًا: {ترى كثيرًا منهم} أي من أهل الكتاب؛ ولما كان الإنسان لا ينحاز إلى حزب الشيطان إلا بمنازعة الفطرة الأولى السليمة، أشار إلى ذلك بالتفعل فقال: {يتولون} أي يتبعون بغاية جهدهم {الذين كفروا} أي المشركين مجتهدين في ذلك مواظبين عليه، وليس أحد منهم ينهاهم عن ذلك ولا يقبحه عليهم، مع شهادتهم عليهم بالضلال هم وأسلافهم إلى أن جاء هذا النبي الذي كانوا له في غاية الانتظار وبه في نهاية الاستبشار، وكانوا يدعون الإيمان به ثم خالفوه، فمنهم من استمر على المخالفة ظاهرًا وباطنًا، ومنهم من ادعى أنه تابع واستمر على المخالفة باطنًا، فكانت موالاته للمشركين دليلًا على كذب دعواه ومظهرة لما أضمره من المخالفة وأخفاه.
ولما كان ذلك منهم ميلًا مع الهوى بغير دليل أصلًا قال: {لبئس ما قدمت} أي تقديم النزل للضيف {لهم أنفسهم} أي التي من شأنها الميل مع الهوى ثم بين المخصوص بالذم- وهو ما قدمتُ- بقوله: {أن سخط الله} أي وقع سخطه بجميع ما له من العظمة {عليهم} ولما كان من وقع السخط عليه يمكن أن يزول عنه، قال مبينًا أن مجرد وقوعه جدير بكل هلاك: {وفي العذاب} أي الكامل من الأدنى في الدنيا والأكبر في الآخرة {هم خالدون}. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما وصف أسلافهم بما تقدم وصف الحاضرين منهم بأنهم يتولون الكفار وعبدة الأوثان، والمراد منهم كعب بن الأشرف وأصحابه حين استجاشوا المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكرنا في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أهدى مِنَ الذين ءامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51].
ثم قال تعالى: {لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ} أي بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في دار الآخرة.
وقوله تعالى: {أَن سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ وَفِى العذاب هُمْ خالدون} محل {أن} رفع كما تقول: بئس رجلا زيد، ورفعه كرفع زيد، وفي زيد وجهان: الأول: أن يكون مبتدأ، ويكون «بئس» وما عملت فيه خبره، والثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه لما قال: بئس رجلا قتل: ما هو؟ فقال: زيد، أي هو زيد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {ترى كثيرًا} يحتمل أن يكون رؤية قلب وعلى هذا فيحتمل أن يريد من الأسلاف المذكورين، أي ترى الآن إذا خبرناك، ويحتمل أن يريد من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان يرى ذلك من أمورهم ودلائل حالهم، ويحتمل أن تكون الرؤية رؤية عين فلا يريد إلا معاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: {لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} أي قدمته للآخرة واجترحته، ثم فسر ذلك قوله تعالى: {أن سخط الله عليهم} ف {أن سخط} في موضع رفع بدل من {ما}، ويحتمل أن يكون التقدير هو أن سخط الله عليهم، وقال الزجاج: «أن» في موضع نصب ب {أن سخط الله عليهم}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ترى كَثِيرًا مّنْهُمْ} أي من أهل الكتاب ككعبِ بن الأشرف وأضرابِه حيث خرجوا إلى مشركي مكةَ ليتّفقوا على محاربة النبي عليه الصلاة والسلام، والرؤيةُ بصرية وقوله تعالى: {يَتَوَلَّوْنَ الذين كَفَرُواْ} حال من {كثيرًا} لكونه موصوفًا، أي يوالون المشركين بُغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤنين، وقيل: مِنْ منافقي أهل الكتاب يتولَّوْن اليهود. وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد والحسن، وقيل: يوالون المشركين ويُصافوُنهم {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ} لبئس شيئًا قدّموا ليَرِدوا عليه يوم القيامة {أَن سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ} هو المخصوصُ بالذم على حذف المضاف وإقامةِ المضاف إليه مُقامَه، تنبيهًا على كمال التعلق والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد، ومبالغةً في الذم أي موجبُ سُخطِه تعالى، ومحله الرفع على الابتداء والجملة قبله خبرُه، والرابط عند من يشترطه هو العموم، أو لا حاجة إليه، لأن الجملةَ عينُ المبتدأ، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف ينبىء عنه الجملة المتقدمة، كأنه قيل: ما هو؟ أو أيُّ شيء هو؟ فقيل: هو أنْ سخِط الله عليهم، وقيل: المخصوصُ بالذم محذوفٌ و«ما» اسم تامٌّ معرفةٌ في محل رفع بالفاعلية لفعل الذم، و{قدمت لهم أنفسهم} جملة في محل الرفع على أنها صفة للمخصوصِ بالذم قائمةٌ مَقامه، والتقدير لبئس الشيءُ شيءٌ قدّمتْه لهم أنفسُهم، فقوله تعالى: {أَن سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ} بدلٌ من «شيء» المحذوفِ، وهذا مذهب سيبويه {وَفِى العذاب} أي عذاب جهنم {هُمْ خالدون} أبد الآبدين. اهـ.

.قال الألوسي:

{ترى كَثِيرًا مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الذين كَفَرُواْ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من تصح منه الرؤية، وهي هنا بصرية، والجملة الفعلية بعدها في موضع الحال من مفعولها لكونه موصوفًا، وضمير {مِنْهُمْ} لأهل الكتاب أو لبني إسرائيل، واستظهره في «البحر» والمراد من الكثير كعب بن الأشرف وأصحابه ومن {الذين كَفَرُواْ} مشركو مكة؛ وقد روي أن جماعة من اليهود خرجوا إلى مكة ليتفقوا مع مشركيها على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم ؤمنين فلم يتم لهم ذلك.
وروي عن الباقر رضي الله تعالى عنه أن المراد من {الذين كَفَرُواْ} الملوك الجبارون؛ أي ترى كثيرًا منهم وهم علماؤهم يوالون الجبارين ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم، وهذا في غاية البعد، ولعل نسبته إلى الباقر رضي الله تعالى عنه غير صحيحة؛ وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه والحسن ومجاهد أن المراد من الكثير منافقو اليهود، ومن {الذين كَفَرُواْ} مجاهروهم، وقيل: المشركون.
{لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ} أي لبئس شيئًا فعلوه في الدنيا ليردوا على جزائه في العقبى {أَن سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ} هو المخصوص بالذم على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تنبيهًا على كمال التعلق والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد، ومبالغة في الذم أي بئس ما قدموا لمعادهم موجب سخط الله تعالى عليهم، وإنما اعتبروا المضاف لأن نفس سخط الله تعالى شأنه باعتبار إضافته إليه سبحانه ليس مذمومًا بل المذموم ما أوجبه من الأسباب على أن نفس السخط مما لم يعمل في الدنيا ليرى جزاؤه في العقبى كما لا يخفى، وفي إعراب المخصوص بالذم أو المدح أقوال شهيرة للمعربين، واختار أبو البقاء كون المخصوص هنا خبر مبتدأ محذوف تنبىء عنه الجملة المتقدمة، كأنه قيل: ما هو؟ أو أي شيء هو؟ فقيل: هو أن سخط الله عليهم ونقل عن سيبويه أنّ {أَن سَخِطَ الله} مرفوع على البدل من المخصوص بالذم وهو محذوف، وجملة {قَدَّمْتُ} صفته، و{مَا} اسم تام معرفة في محل رفع بالفاعلية لفعل الذم، والتقدير لبئس الشيء شيء قدمته لهم أنفسهم سخط الله تعالى، وقيل: إنه في محل رفع بدل من {مَا} إن قلنا: إنها معرفة فاعل لفعل الذم، أو في محل نصب منها إن كانت تمييزًا، واعترض بأن فيه إبدال المعرفة من النكرة، وقيل: إنه على تقدير الجار، والمخصوص محذوف أي لبئس شيئًا ذلك لأن سخط الله تعالى عليهم.
{وَفِى العذاب} أي عذاب جهنم {هُمْ خالدون} أبد الآبدين، والجملة في موضع الحال وهي متسببة عما قبلها، وليست داخلة في حيز الحرف المصدري إعرابًا كما توهمه عبارة البعض، وتعسف لها عصام الملة بجعل أن مخففة عاملة في ضمير الشأن بتقدير أنه سخط الله تعالى عليهم {وَفِى العذاب هُمْ خالدون}، وجوز أيضًا أن تكون هذه الجملة معطوفة على ثاني مفعولي {تَرَى} بجعلها علمية أي تعلم كثيرًا منهم {يَتَوَلَّوْنَ الذين كَفَرُواْ} ويخلدون في النار، وكل ذلك مما لا حاجة إليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
استئناف ابتدائي ذُكر به حال طائفة من اليهود كانوا في زمن الرّسول صلى الله عليه وسلم وأظهروا الإسلام وهم معظم المنافقين وقد دلّ على ذلك قوله: {يَتَولَّوْن الّذين كفروا}، لأنّه لا يستغرب إلاّ لكونه صادرًا ممّن أظهروا الإسلام فهذا انتقال لشناعة المنافقين.
والرؤية في قوله: {ترى} بَصريّة، والخطاب للرّسول.
والمراد بـ {كثير منهم} كثير من يهود المدينة، بقرينة قوله: {ترى}، وذلك أنّ كثيرًا من اليهود بالمدينة أظهروا الإسلام نفاقًا، نظرًا لإسلام جميع أهل المدينة من الأوس والخزرج فاستنكر اليهود أنفسهم فيها، فتظاهروا بالإسلام ليكونوا عينًا ليهود خَيبر وقُريظة والنضِير.
ومعنى {يتولّون} يتّخذونهم أولياء.
والمراد بالّذين كفروا مشركو مكّة ومَنْ حَول المدينة من الأعراب الذين بقُوا على الشرك.
ومن هؤلاء اليهود كَعْبُ بن الأشرف رئيسُ اليهود فإنّه كان مواليًا لأهل مكّة وكان يغريهم بغزو المدينة.
وقد تقدّم أنّهم المراد في قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلًا} [النساء: 51].
وقوله: {أنْ سخط الله عليهم} «أن» فيه مصدريّة دخلت على الفعل الماضي وهو جائز، كما في الكشاف كقوله تعالى: {ولولا أنْ ثَبَّتْنَاك} [الإسراء: 74]، والمصدر المأخوذ هو المخصوص بالذمّ.
والتّقدير: لبئس ما قدمت بهم أنفسهم سُخْطُ اللّهِ عليهم، فسُخط الله مذموم.
وقد أفاد هذا المخصوص أنّ الله قد غضب عليهم غضبًا خاصًّا لموالاتهم الّذين كفروا، وذلك غير مصرّح به في الكلام فهذا من إيجاز الحذف.
ولك أن تجعل المراد بسخط الله هو اللّعنة الّتي في قوله: {لُعِن الّذين كفروا من بني إسرائيل} [المائدة: 78].
وكون ذلك ممّا قدّمت لهم أنفسهم معلوم من الكلام السابق. اهـ.